فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} في ما هذه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنها موصولةٌ أي: ومن الذي عَمِلَتْه أيديهم من الغرس والمعالجة. وفيه تَجَوُّزٌ على هذا. والثاني: أنها نافيةٌ أي: لم يعملوه هم، بل الفاعلُ له هو اللَّهُ تعالى.
وقرأ الأخَوان وأبو بكر بحذف الهاء والباقون {وما عَمِلَتْه} بإثباتِها. فإنْ كانَتْ ما موصولةً فعلى قراءة الأخوين وأبي بكر حُذِف العائدُ كما حُذِف في قولِه: {أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولًا} [الفرقان: 41] بالإِجماع. وعلى قراءةِ غيرِهم جيْءَ به على الأصل. وإن كانَتْ نافيةً فعلى قراءةِ الأخوين وأبي بكر لا ضميرَ مقدرٌ، ولكن المفعولَ محذوفٌ أي: ما عَمِلَتْ أيديهم شيئًا مِنْ ذلك، وعلى قراءةِ غيرِهم الضميرُ يعودُ على {ثَمَرِه} وهي مرسومةٌ بالهاء في غيرِ مصاحفِ الكوفةِ، وبحذفِها فيما عداها. والأخَوان وأبو بكرٍ وافقوا مصاحفهم، والباقون- غير حَفْصٍ- وافقوها أيضًا، وجعفر خالَفَ مصحفَه، وهذا يَدُلُّ على أنَّ القراءةَ متلقَّاةٌ مِنْ أفواهِ الرجال، فيكون عاصمٌ قد أقرأها لأبي بكرٍ بالهاء ولحفصٍ بدونها.
الثالث: أنها نكرةٌ موصوفةٌ، والكلامُ فيها كالذي في الموصولة. والرابع: أنها مصدريةٌ أي: ومِنْ عَمَلِ أيديهم. والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ به، فيعودُ المعنى إلى معنى الموصولة أو الموصوفة.
{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)}.
قوله: {وَآيَةٌ لَّهُمُ اليل} كقولِه و{وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض} [يس: 33]. و{نَسْلَخُ} استعارةٌ بديعةٌ شبَّه انكشافَ ظلمةِ الليلِ بكَشْط الجِلْد عن الشاة. وقوله: {مُظْلِمون} أي: داخلون في الظلام كقوله: {مُّصْبِحِينَ} [الحجر: 66].
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)}.
قوله: {لِمُسْتَقَرٍّ} قيل: في الكلامِ حَذْفُ مضافٍ تقديره: تجري لجَرْي مستقرٍ لها. وعلى هذا فاللامُ للعلةِ أي: لأجل جَرْيِ مستقرٍ لها. والصحيحُ أنَّه لا حَذْفَ، وأنَّ اللامَ بمعنى إلى. ويَدُلُّ على ذلك قراءةُ بعضهم {إلى مُسْتقر}. وقرأ عبد الله وابن عباس وعكرمة وزين العابدين وابنه الباقر والصادق بن الباقر {لا مُستقرَّ} ب لا النافيةِ للجنسِ وبناءِ {مستقرَّ} على الفتح، و{لها} الخبر. وابن أبي عبلة {لا مُسْتقرٌ} بلا العاملةِ عملَ ليس، ف مُسْتَقرٌ اسمها، و{لها} في محلِّ نصبٍ خبرُها كقولِه:
تَعَزَّ فلا شيءٌ على الأرضِ باقيا ** ولا وَزَرٌ مِمَّا قضى اللَّهُ واقيا

والمرادُ بذلك أنها لا تستقرُّ في الدنيا بل هي دائمةُ الجريانِ، وذلك إشارةً إلى جَرْيها المذكور.
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)}.
قوله: {والقمر قَدَّرْنَاهُ} قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرٍو برفعِه، والباقون بنصبِه. فالرفعُ على الابتداء، والنصبُ بإضمارِ فعلٍ على الاشتغالِ، والوجهان مُسْتويانِ لتقدُّمِ جملةٍ ذاتِ وجهين، وهي قوله: {والشمسُ تجري} فإنْ راعَيْتَ صدرَها رَفَعْتَ لتعطِفَ جملةً اسميةً على مثلِها، وإنْ راعَيْتَ عَجْزَها نَصَبْتَ لتعطِفَ فعليةً على مثلِها. وبهذه الآيةِ يَبْطُلُ قولُ الأخفشِ: إنه لا يجوزُ النصبُ في الاسم إلاَّ إذا كان في جملةِ الاشتغالِ ضميرٌ يعود على الاسمِ الذي تضمَّنَتْه جملةٌ ذاتُ وجهين. قال: لأنَّ المعطوفَ على الخبرِ خبرٌ فلابد مِنْ ضميرٍ يعودُ على المبتدأ فيجوزُ: زيدٌ قام وعمرًا أكرمتُه في داره، ولو لم يَقُلْ في داره لم يَجُز. ووجهُ الردِّ مِنْ هذه الآية أنَّ أربعةً من السبعةِ نصبوا، وليس في جملة الاشتغال ضميرٌ يعودُ على الشمس. وقد أُجْمع على النصب في قولِه تعالى: {والسماء رَفَعَهَا} [الرحمن: 7] بعد قوله: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 5].
قوله: {منازلَ} فيه أوجهٌ، أحدها: أنه مفعولٌ ثانٍ؛ لأنَّ قَدَّرنا بمعنى صَيَّرْنا. الثاني: أنه حالٌ، ولابد مِنْ حَذْفِ مضافٍ قبل {منازل} تقديرُه: ذا منازلَ. الثالث: أنه ظرفٌ أي: قَدَّرْنا مسيرَه في منازلَ، وتقدَّم نحوُه أولَ يونس.
قوله: {كالعُرْجُون} العامّةُ على ضَمِّ العينِ والجيم. وفي وزنِه وجهان، أحدهما: أنه فُعْلُول فنونُه أصليةٌ، وهذا هو المرجَّحُ. والثاني: وهو قولُ الزجَّاج أنَّ نونَه مزيدةٌ، ووزنُه فُعْلُوْن، مشتقًا من الانعراجِ وهو الانعطافُ، وقرأ سليمان التيمي بكسر العين وفتح الجيم، وهما لغتان كالبُزيُوْن والبِزْيون. والعُرْجُوْن: عُوْد العِذْقِ ما بين الشَّماريخ إلى مَنْبِته من النخلةِ. وهو تشبيهٌ بديعٌ، شبَّه به القمرَ في ثلاثة أشياء: دقتِه واستقواسِه واصفرارِه.
{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}.
قوله: {سَابِقُ النهار} قرأ عمارة بنصب {النهارَ} حَذَفَ التنوين لالتقاءِ الساكنين. قال المبرد: سمعته يقرؤُها فقلت: ما هذا؟ فقال: أَرَدْتُ {سابقٌ} بالتنوين فخفَّفْتُ.
{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)}.
قوله: {أَنَّا حَمَلْنَا} مبتدأ، و{آيةٌ} خبرٌ مقدمٌ. وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكونَ {أنَّا حَمَلْنا} خبرَ مبتدأ محذوفٍ بناءٍ منه على أنَّ {آية لهم} مبتدأٌ وخبرٌ، كلامٌ مستقلٌ بنفسِه، كما تقدَّم في نظيرِه. والظاهرُ أنَّ الضميرين في {لهم} و{ذريتهم} لشيءٍ واحدٍ. ويُراد بالذريَّة آباؤهم المحمولون في سفينة نوح عليه السلام أو يكون الضميران مختلفَيْن أي: ذرية القرون الماضية. ووجهُ الامتنانِ عليهم: أنَّهم في ذلك مثلُ الذرِّية من حيث إنهم يَنْتفعون بها كانتفاعِ أولئك.
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)}.
قوله: {مَا يَرْكَبُونَ} هذا يَحْتمل أَنْ يكونَ من جنسِ الفلك إنْ أريد بالفَلَكِ سفينةُ نوحٍ عليه السلام خاصةً، وأن يكونَ مِنْ جنسٍ آخرَ كالإِبِلِ ونحوِها، ولهذا سَمَّتْها سُفُنَ البرِّ. وقد تقدَّم اشتقاقُ الذرِّيَّة في البقرة واختلافُ القُرَّاءِ فيها في الأعراف.
قوله: {مِنْ مِثْله} أي: من مثلِ الفلك. وقيل: من مثل ما ذكرِ من خَلْقِ الأزواجِ.
{وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)}.
وقرأ الحسن {نُغَرِّقْهُمْ} بتشديد الراء.
قوله: {فلا صَرِيْخَ} فَعيل بمعنى فاعِل أي: فلا مستغيثَ. وقيل: بمعنى مُفْعِل أي: فلا مغيثَ. وهذا هو الأليقُ بالآية. وقال الزمخشري: فلا إغاثةَ جعله مصدرًا مِنْ أَصْرخ. قال الشيخ: ويَحْتاج إلى نَقْلِ أنَّ صَريخًا يكون مصدرًا بمعنى إصْراخ. والعامَّةُ على فتح {صريخ}. وحكى أبو البقاء أنه قُرئ بالرفع والتنوين. قال: ووجهُه على ما في قوله: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 38].
{إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}.
قوله: {إِلاَّ رَحْمَةً} منصوبٌ على المفعولِ له وهو استثناءٌ مفرغٌ. وقيل: استثناءٌ منقطعٌ. وقيل: على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ وعلى إسقاط الخافضِ. أي: إلاَّ برحمةٍ. والفاءُ في قوله: {فلا صريخَ} رابطةٌ لهذه الجملةِ بما قبلها. فالضميرُ في {لهم} عائدٌ على {المُغرَقين}. وجوَّز ابن عطية هذا ووجهًا آخرَ، وجعله أحسنَ منه: وهو أَنْ يكونَ استئنافَ إخبارٍ عن المسافرين في البحر ناجين كانوا أو مُغْرَقين، هم بهذه الحالةِ لا نجاةَ لهم إلاَّ برحمةِ اللَّهِ، وليس قولُه: {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} مربوطًا بالمغرقين. انتهى. وليس جَعْلُه هذا الأحسنَ بالحسنِ لئلا تخرجَ الفاءُ عن موضوعِها والكلامُ عن التئامِه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)}.
نُبْطِلُ ضوءَ النهارِ بهجومٍ الليلِ عليه، وتزِيلُ ظلامَ الليل بهجومِ النهار عليه، كذلك نهارُ الوجود يدخل على ليالي التوقف، ويقود بيد كَرَمِه عصاَ مَنْ عَمِيَ عن سلوك رُشْدِه فيهديه إلى سَوَاءَ الطريق.
قوله جلّ ذكره: {وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُستَقَرٍّ لَّهَا}. على ترتيبٍ معلوم لا يتفاوت في فصول السنة، وكل يومٍ لها مشرِقٌ جديد ولها مغرِبٌ جديد.. وكل هذا بتقدير العزيز العليم.
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)}.
الإشارة منه أن العبد في أَوان لطلب رقيقُ الحال، ضعيفٌ، مختصرُ الفَهْم. ثم يُفَكِّر حتى تزداد بصيرته.. أَنه كالقمر يصير كاملًا، ثم يتناقَصُ، ويدنو من الشمس قليلًا قليلًا، وكُلَّمَا ازداد من الشمس دُنُوَّا ازداد في نفسه نقصانًا حتى يتلاشى ويختفي ولا يُرَى.. ثم يَبْعُدُ عن الشمس فلا يزال يتباعد ويتباعد حتى يعود بدرًا- مَنْ الذي يُصَرِّفه في ذلك إلا أَنه تقدير العزيز العليم؟ وشبيهُ الشمسِ عارِفٌ أبدًا في ضياء معرفته، صاحبُ تمكين غيرُ مُتَلَوِّنٍ، يشرق من برج سعادته دائمًا، لا يأخذه كسوفٌ، ولا يستره سحابٌ.
وشبيهُ القمر عبدٌ تتلون أحوالُه في تنقله؛ فهو في حال من البسط يترقَّى إلى حَدِّ الوصال، ثم يُرَدُّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان به من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقصان أمره إلى أن يرفع قلبه عن وقته، ثم يجود الحقُّ- سبحانه- فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته، وإفاقته عن سَكْرَتِه، فلا يزال يصفوا حاله إلى أنْ يَقْرُبَ من الوصال، ويرزقَ صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال.. كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله، كما قالوا:
ما كنت أشكو ما على بَدَني ** من كثرة التلوين من بُدَّتِه

وأنشدوا:
كُلَّ يوم تتلون ** غيرُ هذا بِكَ أجمل

{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)}.
الإشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة في بحار التقدير عند تلاطم أمواجها بفنونٍ من التغيير والتأثير. فكَمْ من عبدٍ غرق في اشتغاله في ليلة ونهاره، لا يستريح لحظةً من كَدِّ أفعاله، ومقاساةِ التعب في أعماله، وجَمْع ماله.
فَجَرَّه ذلك إلى نسيان عاقبته ومآلِه، واستيلاء شُغْلِه بوَلَدِه وعيالِه على فِكْرِه وبالِه- وما سَعْيُه إلاَّ في وَبَالِه!
وكم من عِبْدٍ غرق في لُجَّةِ هواه، فجَرَّته مُناه إلى تَحمُّلِ بلواه، وخسيس من أمر مطلوبه ومُبْتَغَاه.. ثم لا يَصَلُ قط إلى منتهاه، خَسِرَ دنياه وعقباه، وبَقِيَ عن مولاه! ومن أمثال هذا وذالك ما لا يُحْصَى، وعلى عقلِ مَنْ فكَّرَ واعتبر لا يَخْفَى.
أمَّا إذا حفظ عبدًا في سفينة العناية أفرده- سبحانه- بالتحرُّرِ من رِقِّ خسائس الأمور. وشَغَلَه بظاهره بالقيام بحقِّه، وأكرمه في سرائره بفراغ القلب مع ربَّه، ورقَّاه إلى ما قال: أنا جليسُ مَنْ ذكرني.. وقُلْ في عُلُوِّ شأنِ مَنْ هذه صفته.. ولا حَرَجَ!
{وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}.
لولا جُودُه وفَضْلُه لحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم، لكنه بِحُسْنِ الأفضال، يحفظهم في جميع الأحوال. اهـ.

.قال السبكي:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} إنْ قَدَّرْته كُلُّهُمْ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفَلَكِ الْأَفْلَاكَ؛ وَإِنْ قَدَّرْته كُلٌّ مِنْهُمْ فَيَكُونُ {يَسْبَحُونَ} جُمْلَةً أُخْرَى لَا خَبَرَ ثَانٍ عَلَى الْمَعْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِالْمُفْرَدِ عَنْ الْجَمْعِ انْتَهَى. اهـ.

.فصل في رد بعض شبهات أعداء القرآن:

.قال محمد الغزالي:

أتانا وافد من أسيوط بوريقات تضمنت عشرات المطاعن ضد الإسلام، كتبها شخص يدعى كميل جرجس وجمع عليها بعض طلاب الجامعة!
وتصفحت على عجل مختلف الموضوعات التي تعرض لها الكاتب، ورأيت أنها تحتاج إلى رد وبيان، وسيعرف القراء قيمتها عندما نذكرها.
وقد أسافر إلى أسيوط لأحسم العلة من جذورها، ويكفي هنا أن أسوق أمثلة لما يشاع عن ديننا، ويجد طريقه ممهودًا إلى أدمغة القاصرين!.

.غلطة فلكية:

كذَّب الكاتب قال تعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} وزعم أن ذلك يخالف العلم. أي علم؟!
إن جريان الشمس من أسرتها المعروفة في فضاء الله الواسع مقرر فلكيًا، لم ينكره أحد قط، ولكن عبقرى أسيوط يريد تكذيب القرآن، فحكى دورة الأرض حول محورها، ودورتها حول أمها الشمس، ثم قال: من هذا يتضح أن الشمس لا تجرى ولا تذهب لتسجد تحت العرش، وأنها لا تغرب في عين حمئة.
والاستنتاج مضحك فقد فهم العبقرى أن دوران الأرض حول الشمس يعنى أن الشمس ثابتة، وفهم من قال تعالى: {وجدها تغرب في عين حمئة} أن الشمس تغطس في الماء يوميًا ثم تخرج!
ولم يدرك ما يعرفه الأطفال عندنا أن اختفاء قرص الشمس في الماء إنما هو في عين الرائى لا في حقيقة الأمر!
أما أن الشمس تسجد لربها، فإن الجماد والنبات والحيوان والكائنات جمعاء خاضعة لله، تسبح بحمده، وتهتف بمجده، وتلبى أمره، وهى طوع مشيئت.
ويوم لا يأذن للشمس في الشروق، وينهى أمر الدنيا، ويفتح يوم الحساب، فمن الذي يعصيه؟
ويظهر أن المسكين فهم من سجود الشمس أنها تصلى ركعتين كسائر البشر! {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء} (الروم: 24).

.الكسوف والخسوف:

قال الكاتب: جاء في سورة الروم: {ومن آياته يريكم البرق خوفًا وطمعًا وينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.
وروى البخارى في صحيحه عن أبى موسى الأشعرى قال: خسفت الشمس فقام النبى فزعًا يخشى أن تقوم الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته قط يفعله، وقال: هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا حياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره البخارى.
وبعد أن ذكر الكاتب التفسير العلمى للبرق، والكسوف، والخسوف كما هو مقرر في الكتب المدرسية قال: إذن فالواضح أنه ليس الهدف من البرق أن يخوف الله البشر، أو الهدف من الكسوف ما ظنه البعض بجهالة أنه لموت إبراهيم ابن النبى، أو خشية قيام الساعة بل الأمر مجرد ظواهر طبيعية عادية، وهذا هو فضل العلم الحديث على البشرية جمعاء، ولكنهم لم يكونوا يدركون ذلك بعد، وكان تفسيرهم لتلك الظواهر نابعًا من استنتاجات محدودة.
ونقول: هذه الظواهر الطبيعية العادية كما يسميها الكاتب هي آيات الله في منطق المؤمنين به.. فحياة الأرض بعد نزول الماء آية وإن سماها ظاهرة طبيعية، والتفريغ الكهربى الناشيء من تلاقى السحب آية سواء أحدث صوت الرعد أم ضوء البرق.
ورجاء الناس في أن تهمى هذه السحب طمع في محله لا يستغرب، وخوفهم أن يكون البرق وليد سحاب جهام لا خير فيه خوف في محله لا يستنكر. ولو خشوا أن يتحول التيار الكهربائى إلى صواعق مهلكة فخشيتهم طبيعية لا نكير عليه.
أما تصور الكاتب أن الناس تخاف البرق لأن عفريتًا يصنعه فهذا تصور أطفال، والآية التي أوردها عن البرق والمطر واحدة من ثمانى آيات متتابعة تصف ما يسميه ظواهر طبيعية وصفًا جليلًا رائعًا يحييه العلماء من قلوبهم.
أما قصة الكسوف فلا ندرى مقدار العمى الذي كان صحب الكاتب وهو يذكرها، لقد وهل الناس أن الشمس كسفت لموت إبراهيم بن النبى عليه الصلاة والسلام، فقام النبى ينفى ذلك بشدة مؤكدًا أن الكسوف والخسوف آيات إلهية، أو بالتعبير الحديث ظواهر طبيعية.
وزهد صاحب الرسالة في المجد الذي أتاحته الظروف! وكان في وسعه أن يسكت تاركًا هذا الظن يستقر، ولكنه أبى، وأمر أتباعه بالصلاة تحية لرب الأرض والسماء، وانحناء أمام عظمة مسير الكواكب في الفضاء.
أهذا مسلك يعاب؟! شاهت الوجوه.
ومعروف في سيرة النبى الكريم أنه كان شديد الرقابة لله، شديد الخشية منه، وربما تعصف الريح فيقلق خشية أن تكون ريحًا مدمرة يعذب الله بها المتمردين عليه، فهل قالوا: إن هبوب الريح من علامات الساعة؟
وهل خوف النبى من أن يكون الكسوف إيذانًا باقتراب الساعة يدل على شيء أكثر من شعوره الحى بقرب لقاء الله.
ولنترك ما حكاه أبو موسى الأشعرى في ذلك ولنتدبر ماذا قال الرسول نفسه عن الكسوف والخسوف؟ قال عنهما: آيتان من آيات الله.. وحس.
فأى اعتراض علمى على هذا؟
ويقول الكاتب: يحدد لنا العلم أن الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، وليس كما جاء في الحديث: «خسفت الشمس».
الجواب: ليس هذا تحديدًا علميًا، وإنما هي اصطلاحات تواضع عليها بعض الناس لا تؤثر في طبيعة اللغة العربية التي تسمح باستعمال الكسوف والخسوف للشمس على سواء.
إن كلمة التبشير شاعت فيما يفرح، ولكنها لغة تستعمل فيما يسر، وفيما يسوء.
وكلمة أصاب أو مصيبة تستعمل في الآلام والمتاعب، ولكنها لغة تستعمل كذلك في الأفراح.
{ما أصابك من حسنة فمن الله} (النساء: 79) و{نصيب برحمتنا من نشاء} (يوسف: 56) ولكن عبقرى أسيوط الذي لا يعرف من لغة العرب إلا نزرًا يريد أن يتصيد أخطاء لغوية لرجال البلاغة العربية.